د/ سرتية صالح حسين العاتي
الملخص :
تُعدُّ الفلسفة ظاهرةً إنسانيةً عرفها الإنسان منذ الخليقة، انطلاقاً من أن الفلسفة هي التأمّل والبحث عن الحقيقة، فالشغف بالفلسفة شغفٌ بالحياة وبأسرار الوجود، حيث كان الإنسان في حالة من التأمل والبحث في أسرار وخفايا هذا الكون الممتلئ بالتناقضات، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال ربط الفلسفة بحضارة أو مدينة بعينها، فعند سبر أغوار الحضارات وفلاسفتها نجد التأثير والتأثر -بمعنى آخر التبادل والتلاقح- بين الحضارات. هناك من يرى أن حضارات الشرق القديم كانت سبّاقة في فعل التفلسف، مستندين على المنقوشات الأثرية التي تعود إلى آلاف السنين، والتي تؤكّد تناول الفكر الشرقي للمسائل الفلسفية، مثل: الموت، الإنسان، الكون، خلود النفس، وهناك من يربط بدايات الفلسفة بالحضارة اليونانية . وعند سبر أغوار الحقيقة حول نشأة الفلسفة والتفلسف نجد أن حضارات الشرق تناولت المسائل الفلسفية، وسنحاول أن يقتصر حديثنا حول مدينة (قورينا) الليبية “شحات حالياً”، التي لا تقلّ شأناً من (أثينا)، حيث كانت موطناً للفلسفة والفلاسفة، إضافةً إلى اعتبارها بوابة الفكر الفلسفي بين الحضارات، والتي تأسست فيها المدرسة (القورينائية) التي أثرت في المدارس الفلسفية آنذاك.الإشكالية: تعد (قورينا) إحدى المحطات الفلسفية التي تؤكد أن الفلسفة نشاط إنساني، حيث خلفت إرثاً فلسفياً وفتحت أبواب التأمل الفلسفي أمام عقول الفلاسفة من خلال جمالها الساحر، حيث تنفرد بمناظر طبيعية خلابة يعزز التأمل والبحث، وكانت الحلقة التي ربطت الفكر الشرقي القديم بالفلسفة اليونانية، وننطلق في بحثا هذا من تساؤلات عدة، أهمها: ما الأسباب التي قادت الإغريق لاستعمار (قورينا)، وهل أسهمت طبيعتها الخلابة في تنمية حس التأمل والحكمة؟ وكيف نشأت المدرسة القورينائية؟ ومن هم أهم مؤسسيها؟ وما المذهب الذى انتجته؟ وكيف أثر -وتأثر- فلاسفة المدرسة (القورينائية) في الفكر اليوناني .